فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعالبي:

قوله عز وجل: {قُلْ أوحي إليّ أنّهُ استمع نفرٌ مِّن الجن} هؤلاءِ النفرُ من الجنِّ هم الذين صادفُوا النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ ببطنِ نخلةٍ في صلاةِ الصِّبْحِ، وقد تقدّم قصصهم في سورةِ الأحقافِ، وقول الجن: {إِنّا سمِعْنا...} الآيات، هو خطابٌ منهم لِقوْمهم.
و{قرآنا عجبا}: معناه: ذا عجبٍ؛ لأن العجب مصدرٌ يقعُ من سامِعِ القرآن لبراعتِه وفصاحتِه ومُضمّناتِه.
وقوله: {وأنّهُ تعالى جدُّ ربِّنا} قال الجمهورُ: معناه: عظمةُ ربنا، وروي عن أنسٍ أنه قال: كان الرجلُ إذا قرأ البقرة، وآل عمران جدّ في أعيننا، أي: عظُم، وعن الحسن: {جدُّ ربِّنا} غِناهُ وقال مجاهد: ذِكْرُهُ، وقال بعضهم: جلالُه، ومنْ فتح الألِف من قوله: {وأنّهُ تعالى} اخْتلفُوا في تأويلِ ذلك، فقال بعضُهم: هو عطف على {أنّهُ استمع} فيجيءُ على هذا قوله تعالى: {وأنّهُ تعالى} مما أُمِر أنْ يقول النبيّ إنّه أوحي إليّه، وليْس هو من كلامِ الجنِّ، وفي هذا قلقٌ، وقال بعضهم: بل هو عطف على الضمير في {بِهِ} كأنه يقول: فآمنا به وبأنه تعالى، وهذا القول أبْين في المعنى، لكنّ فيه من جهةِ النحو العطف على الضميرِ المخفوضِ دُون إعادةِ الخافِضِ، وذلك لا يحْسن: بلْ هُو حسنٌ؛ إذ قدْ أتى في النظم والنّثْرِ الصحيحِ، مُثْبتا، وقرأ عكرمة: {تعالى جدٌّ ربُّنا} بِفتْحِ الجيمِ وضمِّ الدالِ وتنْوِينِهِ ورفْعِ الرّبِّ، كأنه يقول: تعالى عظِيمٌ هو ربُّنا، ف{ربُّنا} بدلٌ والجدُّ: العظِيمُ في اللغةِ، وقرأ أبو الدرداء: {تعالى ذِكْرُ ربِّنا} ورُوي عنه: {تعالى جلالُ ربِّنا}.
وقوله تعالى: {وأنّهُ كان يقول سفِيهُنا} لا خِلاف أن هذا مِنْ قول الجِنّ، والسفيهُ: المذكورُ قال جمهورٌ من المفسرين: هُو إبليسُ لعنه اللّه، وقال آخرون: هو اسْمُ جنسٍ لكلِّ سفيهٍ مِنْهُمْ ولا محالة أنّ إبليس صدْرٌ في السفاهةِ، وهذا القول أحْسنُ، والشّططُ: التّعدِّي وتجاوُزُ الحدّ بقول أو فعل.
* ص *: {شططا} أبو البقاءِ: نعْتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: قولا شططا. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ أوحي إليّ}
وقرأ ابن أبي عبلة والعتكي عن أبي عمرو وجؤبة بن عائذ الأسدي وحي بلا همزة وهو بمعنى أوحي بالهمز ومنه قول العجاج:
وحى إليها القرار فاستقرت

وقرأ زيد بن علي وجؤبة فيما روى عنه الكسائي وابن أبي عبلة في رواية أحي بإبدال واو وحي همزة كما قالوا في وعد أعد قال الزمخشري وهو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمومة وقد أطلقه المازني في المكسورة أيضا كأشاح وإعاء وإسادة وهذا أحد قولين للمازني والقول الآخر قصر ذلك على السماع وما ذكره من إطلاق الجواز في المضمومة تعقب بأن المضمومة قد تكون أولا وحشوا وآخرا ولكل منها أحكام وفي بعضها خلاف وتفصيل مذكور في كتب النحو فليراجع وزاد بعض الأجلة قلب الواو المضموم ما قبلها فقال إنه أيضا مقيس مطرد وأنه قد يرد ذلك في المفتوحة كأحد وعلى جميع القراءات الجار متعلق بما عنده ونائب الفاعل {أنّهُ} إلخ على أنه في تأويل المصدر والضمير للشأن {استمع} أي القرآن كما ذكر في الاحقاق وقد حذف لدلالة ما بعده عليه {نفرٌ مّن الجن} النفر في المشهور ما بين الثلاثة والعشرة وقال الحريري في درته أن النفر إنما يقع على الثلاثة من الرجال إلى العشرة وقد وهم في ذلك فقد يطلق على ما فوق العشرة في الفصيح وقد ذكره غير واحد من أهل اللغة وفي كلام الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا ولا يختص بالرجال بل ولا بالناس لإطلاقه على الجن هنا وفي المجمل الرهط والنفر يستعمل إلى الأربعين والفرق بينهما أن الرهط يرجعون إلى أب واحد بخلاف النفر وقد يطلق على القوم ومنه قوله تعالى وأعز نفرا وقول امرئ القيس:
فهو لا تنمى رميته ** ماله لا عد من نفره

لالاوقال الإمام الكرماني للنفر معنى آخر في العرف وهو الرجل وأراد بالعرف عرف اللغة لأنه فسر به الحديث الصحيح فليحفظ والجن واحده جنى كروم ورومي وهم أجسام عاقلة تغلب عليها النارية كما يشهد له قوله تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن: 15] وقيل الهوائية قابلة جميعها أو صنف منها للتشكل بالأشكال المختلفة من شأنها الخفاء وقد ترى بصور غير صورها الأصلية بل وبصورها الأصلية التي خلقت عليها كالملائكة عليهم السلام وهذا للأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ومن شاء الله تعالى من خواص عباده عز وجل ولها قوة على الأعمال الشاقة ولا مانع عقلا من أن تكون بعض الأجسام اللطيفة النارية مخالفة لسائر أنواع الجسم اللطيف في الماهية ولها قبول لإفاضة الحياة والقدرة على أفعال عجيبة مثلا وقد قال أهل الحكمة الجديدة بأجسام لطيفة أثبتوا لها من الخواص ما يبهر العقول فلتكن أجسام الجن على ذلك النحو من الأجسام وعالم الطبيعة أوسع من أن تحيط بحصر ما أودع فيه الأفهام وأكثر الفلاسفة على إنكار الجن وفي رسالة الحدود لابن سينا الجني حيوان هوائي متشكل بأشكال مختلفة وهذا شرح الاسم وظاهره نفى أن يكون لهذه الحقيقة وجود في الخارج ونفى ذلك كفر صريح كما لا يخفى واعترف جمع عظيم من قدماء الفلاسفة وأصحاب الروحانيات بوجودهم ويسمونهم بالأرواح السفلية والمشهور أنهم زعموا أنها جواهر قائمة بأنفسها ليست أجساما ولا جسمانية وهي أنواع مختلفة بالماهية كاختلاف ماهيات الأعراض فبعضها خيرة وبعضها شريرة ولا يعرف عدد أنواعها وأصنافها إلا الله عز وجل ولا يبعد على هذا أن يكون في أنواعها ما يقدر على أفعال شاقة عظيمة يعجز عنها البشر بل لا يبعد أيضا على ما قيل أن يكون لكل نوع مها تعلق بنوع مخصوص من أجسام هذا العالم ومن الناس من زعم أن الأرواح البشرية والنفوس الناطقة إذا فارقت أبدانها ازدادت قوة وكمالا بسبب ما في ذلك العالم الروحاني من انكشاف الأسرار الروحانية فإذا اتفق حدوث بدن آخر مشابه لما كان لتلك النفس المفارقة من البدن تعلقت تلك النفس به تعلقا ما وتصير كالمعاونة لنفس ذلك البدن في أفعالها وتدبيرها لذلك البدن فإن اتفقت هذه الحالة في النفوس الخيرة سمي ذلك المعين ملكا وتلك الإعانة إلهاما وإن اتفقت في النفوس الشريرة سمي ذلك المعين شيطانا وتلك الإعانة وسوسة والكل مختلف لأقوال السلف وظاهر الآيات والأحاديث وجمهور أرباب الملل معترفون بوجودهم كالمسلمين وإن اختلفوا في حقيقتهم وتمام الكلام في هذا المقام يطلق من آكام المرجان وفي (التفسير الكبير) طرف مما يتعلق بذلك فارجع إليه إن أردته واختلف في عدد المستمعين فقيل سبعة فعن زر ثلاث من أهل حران وأربعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير القرية التي بالعراق وعن عكرمة أنهم كانوا إثني عشر ألفا من جزيرة الموصل وأين سبعة أو تسعة من اثني عشر ألفا ولعل النفر عليه القوم وفي (الكشاف) كانوا من الشيصبان وهم أكثر الجن عددا وعامة جنود إبليس منهم والآية ظاهرة في أنه صلى الله عليه وسلم علم استماعهم له بالوحي لا بالمشاهدة وقد وقع في الأحاديث أنه عليه الصلاة والسلام رآهم وجمع ذلك بتعدد القصة قال في آكام المرجان ما محصله في الصحيحين في حديث ابن عباس «ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم وإنما انطلق بطائفة من الصحابة لسوق عكاظ وقد حيل بين الجن والسماء بالشهب فقالوا ما ذاك إلا لشيء حدث فأضربوا مشارق الأرض ومغاربها فمر من ذهب لتهامة منهم به عليه الصلاة والسلام وهو يصلي الفجر بأصحابه بنخلة فلما استمعوا له قالوا هذا الذي حال بيننا وبين السماء ورجعوا إلى قومهم وقالوا: {يا قومنا} [الأحقاف: 30] إلخ فأنزل الله تعالى عليه قل أوحي الخ» ثم قال ونفى ابن عباس إنما هو في هذه القصة واستماعهم تلاوته صلى الله عليه وسلم في الفجر في هذه القصة لا مطلقا ويدل عليه قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} [الأحقاف: 29] إلخ فإنها تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كلمهم ودعاهم وجعلهم رسلا لمن عداهم كما قاله البيهقي وروى أبو داود عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني داعي الجن فذهبت معه وقرأت عليهم القرآن قال وانطلق بنا وأرانا آثارهم وآثار نيرانهم» إلخ وقد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ست مرات وقال ابن تيمية أن ابن عباس علم ما دل عليه القرآن ولم يعلم ما علمه ابن مسعود وأبو هريرة من إتيان الجن له صلى الله عليه وسلم ومكالمتهم إياه عليه الصلاة والسلام وقصة الجن كانت قبل الهجرة بثلاث سنين وقال الواقدي كانت سنة إحدى عشرة من النبوة وابن عباس ناهز الحلم في حجة الوداع فقد علمت أن قصة الجن وقعت ست مرات وفي (شرح البيهقي) من طرق شتى عن ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى أتينا مكان كذا فأجلسني وخط على خطا ثم قال لا تبرحن خطك فبينما أنا جالس إذ أتاني رجال منهم كأنهم الزط» فذكر حديثا طويلا وأنه صلى الله عليه وسلم ما جاءه إلى السحر قال «وجعلت أسمع الأصوات ثم جاء عليه الصلاة والسلام فقلت أين كنت يا رسول الله فقال أرسلت إلى الجن فقلت ما هذه الأصوات التي سمعت قال هي أصواتهم حين ودعوني وسلموا علي» وقد يجمع الاختلاف في القلة والكثرة بأن ذلك لتعدد القصة أيضا والله تعالى أعلم واختلف فيما استمعوه فقال عكرمة {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] وقيل سورة الرحمن {فقالواْ} أي لقومهم عند رجوعهم إليهم {قُلْ أوحي إليّ} أي كتابا مقروءا على ما فسره به بعض الأجلة وفسر بذلك للإشارة إلى أن ما ذكروه في وصفه مما يأتي وصف له كله دون المقروء منه فقط والمراد أنه من الكتب السماوية والتنوين للتفخيم أي قرآنا جليل الشأن {عجبا} بديعا مباينا لكلام الناس في حسن النظم ودقة المعنى وهو مصدر وصف به للمبالغة.
{يهْدِى إِلى الرشد} إلى الحق والصواب وقيل إلى التوحيد والايمان وقرأ عيسى {الرشد} بضمتين وعنه أيضا فتحهما {يهْدِى إِلى} أي بذلك القرآن من غي ريث {ولن نُّشرِك بِربّنا أحدا} حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد أو حسبما نطق به الدلائل العقلية على التوحيد ولم تعطف هذه الجملة بالفاء قال الخفاجي لأن نفيهم للإشراك أما لما قام عندهم من الدليل العقلي فحينئذ لا يترتب على الايمان بالقرآن وإما لما سمعوه من القرآن فحينئذ يكفي في ترتبها عليه عطف الأول بالفاء خصوصا والباء في به تحتمل السببية فيعم الايمان به الايمان بما فيه فإنك إذا قلت ضربته فتأدب وانقاد لي فهم ترتب الانقياد على الضرب ولو قلت فانقاد لم يترتب على الأول بل على ما قبله وقيل عطفت بالواو ولتفويض الترتب إلى ذهن السامع وقد يقال أن مجموع {فآمنا به ولن نشرك} مسبب عن مجموع {إنا سمعنا} [الجن: 1] إلخ فكونه قرآنا معجز يوجب الايمان به وكونه {يهدي إلى الرشد} ويوجب قلع الشرك من أصله والأول أولى وجوز أن يكون ضمير به لله عز وجل لأن قوله سبحانه: {بربنا} يفسره فلا تغفل.
{وأنّهُ تعالى جدُّ ربّنا} اختلفوا قراءة في أن هذه وما بعدها إلى {وأنا منا المسلمون} [الجن: 14] وتلك اثنتا عشرة فقرأها ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وحفص بفتح الهمزة فيهن ووافقهم أبو جعفر في ثلاث ما هنا {وأنه كان يقول} [الجن: 4] {وأنه كان رجال} [الجن: 6] وقرأ الباقون بكسرها في الجميع واتفقوا على الفتح في {أنه استمع} [الجن: 1] {وأن المساجد} [الجن: 18] لأن ذلك لا يصح أن يكون من قول الجن بل هو مما أوحى بخلاف الباقي فإنه يصح أن يكون من قولهم ومما أوحي واختلفوا في {أنه لما قام} [الجن: 19] فقرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة والباقون بفتحها كذا فصله بعض الأجلة وهو المعول عليه ووجه الكسر في أن هذه وما بعدها إلى {وإنا منا المسلمون} [الجن: 14] ظاهر كالكسر في {أنا سمعنا قرآنا} لظهور عطف الجمل على المحكي بعد القول ووضوح اندراجها تحته وأما وجه الفتح ففيه خفاء ولذا اختلف فيه فقال الفراء والزجاج والزمخشري هو العطف على محل الجار والمجرور وفى {آمنا به} [الجن: 2] كأنه قيل صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا وأنه كان يقول سفيهنا وكذلك البواقي ويكفي في إظهاره المحل إظهار مع المرادف وليس من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار الممنوع عند البصريين في شيء وإن قيل به هنا بناء على مذهب الكوفيين المجوزين له ولو قيل أنه بتقدير الجار لإطراد حذفه قبل أن وإن لكان سديدا كما في الكشف وضعف مكي العطف على ما في حيز {آمنا} فقال فيه بعد في المعنى لأنهم لم يخبروا أنهم آمنوا بأنهم لما سمعوا الهدى آمنوا به ولا أنهم آمنوا بأنه كان رجال إنما حكى الله تعالى عنهم أنهم قالوا ذلك مخبرين عن أنفسهم لأصحابهم وأجيب عن الذاهبين إليه بأن الايمان والتصديق يحسن في بعض تلك المعطوفات بلا شبهة فيمضي في البواقي ويحمل على المعنى على حد قوله:
وزججن الحواجب والعيونا

فيخرج على ما خرج عليه أمثاله فيؤول صدقنا بما يشمل الجميع أو يقدر مع كل ما يناسبه وقال أبو حاتم هو العطف على نائب فاعل أوحي أعني أنه استمع كما في أن المساجد على أن الموحي عين عبارة الجن بطريق الحكاية كأنه قيل قل أوحي إليّ كيت وكيت وهذه العبارات وتعقب بأن حكاية عباراتهم تقتضي أن تكون أن في كلامهم مفتوحة الهمزة ولا يظهر ذلك ألا أن يكون في كلامهم ما يقتضي الفتح كاسمعوا أو اعلموا أو نخبركم لكنه أسقط وقت الحكاية ولا يظهر لإسقاطه وجه وعلى تقدير الظهور فالفتح ليس لأجل العطف فإن النائب عن الفاعل عليه مجموع كل جملة على إرادة اللفظ دون المنسبك من أن وما بعدها وإلا لما صح أن يقال الموحى كيت وكيت وهذه العبارات فإن كانت أن في كلامهم مكسورة الهمزة وصحت دعوى أن الحكاية اقتضت فتحها مع صحة إرادة هذه العبارات معه فذاك وإلا فالأمر كما ترى فافهم وتأمل والجد العظمة والجلال يقال جد في عيني أي عظم وجل أي وصدقنا أن الشأن ارتفع عظمة وجلال ربنا أي عظمت عظمته عز وجل وفيه من المبالغة ما لا يخفى وقال أبو عبيدة والأخفش الملك والسلطان وقيل الغني وهو مروي عن أنس والحسن في الآية والأول مروي عن الجمهور والجد على جميع هذه الأوجه مستعار من الجد الذي هو البخت وقوله عز وجل: {ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} عليها تفسير للجملة وبيان لحكمها ولذا لم يعطف عليها فالمراد وصفه عز وجل بالتعالي عن الصاحبة والولد لعظمته أو لسلطانه أو لغناه سبحانه وتعالى وكأنهم سمعوا من القرآن ما نبههم على خطأ ما اعتقده كفرة الجن من تشبيهه سبحانه بخلقه في اتخاذ الصاحبة والولد فاستعظموه ونزهوه تعالى عنه.
وقرأ حميد بن قيس {جد} بضم الجيم قال في (البحر) ومعناه العظيم حكاه سيبويه وإضافته إلى {ربنا} من إضافة الصفة إلى الموصوف والمعنى تعالى ربنا العظيم وقرأ عكرمة {جد} منونا مرفوعا {ربنا} بالرفع وخرج على أن الجد بمعنى العظيم أيضا و{ربنا} خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا أو بدل من {جد} وقرأ أيضا {جدا} منونا منصوبا على أنه تمييز محول عن الفاعل وقرأ هو أيضا وقتادة {جدا} بكسر الجيم والتنوين والنصب ربنا بالرفع قال ابن عطية نصب {جدا} على الحال والمعنى تعالى ربنا حقيقة ومتمكنا وقال غيره هو صفة لمصدر محذوف أي تعاليا جدا.
وقرأ ابن السميفع {جدا ربنا} أي جدواه ونفعه سبحانه وكان المراد بذلك الغنى فلا تغفل.
{وأنّهُ كان يقول سفِيهُنا} هو إبليس عند الجمهور وقيل مردة الجن والإضافة للجنس والمراد سفهاؤنا {على الله شططا} أي قولا ذا شطط أي بعد عن القصد ومجاوزة الحد أو هو في نفسه شطط لفرط بعده عن الحسن وهو نسبة الصاحبة والولد إليه عز وجل وتعلق الايمان والتصديق بهذا القول بناء على ما يقتضيه العطف على ما في حيز {فآمنا} [الجن: 2] ليس باعتبار نفسه فإنهم كانوا عالمين بقول سفيههم من قبل بل باعتبار كونه شططا كأنه قيل وصدقنا إن ما كان يقول سفيهنا في حقه سبحانه كان شططا. اهـ.